Wednesday, November 19, 2008

. . . والقلب اذا هوي


يتنفس الصبح أنفاسه الشتوية الباردة لتتراقص بين عيناي و رذاذ المتوسط يتلاقح فوق شفتاي . أرنو بجبيني نحو السماء وسحاباتها المحملة بمطر وشيك . . . . وأناجيه . . . .أناجيه علي طريقة البياتي الصوفية


لماذا يا أبي أُنفي في هذا الملكوت؟




**********


شمعدان خماسي فضي قد شهد طفولتي وشاهدت شيخوخته ... اشتراه أبي قبل ميلادي مع شوار المنزل وحكت لي أمي كثيرا عن سهراتها الدافئة وأبي حول الشمعدان الفضي والموسيقي . . . قالت لي انها معه كانت تري الموسيقي كيانات ملائكية تحوم حول شموع الشمعدان لتستقر في النهاية بين ضلوعها




انتي مبتعرفيش ترسمي خالص -




تسحب كراسة الرسم من بين يدي صارخة في وجهي




ملكش دعوووووووووة-




بهزر معاكي والله ... دا أنتي حتي رسامة رسامة يعني




وأستمر في ضحكاتي الطفولية الساخرة مع اختي التي تصغرني بعامين أثناء صعودنا سلم المنزل .... أقف متسمراً امام باب البيت واستمع لصراخ امي بالداخل . اركل الباب بكلتا يداي وقدماي لتفتح لي أمي وهي تحاول اخفاء دمعاتها الواضحة وتدلف مسرعة الي الصالون مستكملة حوارها شديد العصبية مع أبي .... كانت المرة الأولي التي اسمع فيها أمي تصرخ في وجه أبي وهو لا يحرك ساكناً ..فقط صراخها .... وفجأة تخرج امي من الصالون في حالة هسيترية من البكاء وتصطدم بشمعدانها وترديه أرضا محطمة اثنين من أصابعه الخمسة .... تتوقف عن البكاء وتنظر للشمعدان في ذهول ثم تتلم كسوره وتحملها الي داخل حجرتها مستمرة في البكاء




يخرج ابي من الصالون كجبل جليدي وعيناه يغلفها ما يشبه بريق الدموع ...يدلف للحجرة وراء أمي .... ثم ... ثم همسات خفيضة .... ثم صمت مطبق ..... ينتابني وأختي الفضول بعد ما يقرب الساعة فننظر من خلال الباب الورب لأري مشهد لن أنساه ما حييت




حضن عميق دافيء جليل يصعب وصفه ... وكلاهما نائمان ذائبان ناعمان ووتحت أقدامها ما تبقي من نور الشمعدان




**************


(الإصحاح الثالث)



قلتُ: فليكن الحبُ في الأرض، لكنه لم يكن!


قلتُ: فليذهب النهرُ في البحرُ،


والبحر في السحبِ،


والسحب في الجدبِ،


والجدبُ في الخصبِ،


ينبت خبزاً ليسندَ قلب الجياع، وعشباً لماشية الأرض،


ظلا لمن يتغربُ في صحراء الشجنْ.


ورأيتُ ابن آدم - ينصب أسواره حول مزرعة الله،


يبتاع من حوله حرسا،


ويبيع لإخوته الخبز والماء،


يحتلبُ البقراتِ العجاف لتعطى اللبن




قلتُ فليكن الحب في الأرض، لكنه لم يكن.


أصبح الحب ملكاً لمن يملكون الثمن!


.. .. .. .. .. ورأى الربُّ ذلك غير حسنْ


****


أمل دنقل الأصحاح الثالث سفر التكوين