Sunday, September 18, 2011

حواف مُدببة للعقل



العروسة يجب أن تستحم قريباً .. لماذا أنتِ مُتسخة هكذا ؟ .. تتحسس الدمية و لا تشعر بالحر و العرق الذي ينسال بين شعرها فوق جبهتها . نِقاط رقيقة . الآن . فلا ماضي يؤرق .. و لا مستقبل .. أنها لجسارة هائلة لم أعد أمتلكها و أحاورها الآن بيني و بينك ، جسارة الأستسلام للحظة التي لا يضاهيها عمر من الحذر الحكيم .. بهذا .. ولهذا وحده عشنا .. و هو ما لا يُكتب في نعينا ..

تعلم كيف تشعر الصغيرة و هي تسبح في الشقة ، بين الحجرات ، في المطبخ و أمها محنية تتمتم بشتائم .. و من أين يأتي النمل أبن الكلب الذي غزا أنحاء المطبخ ؟ ، تحت الحوض ، داخل البوتاجاز ، في الصالة حيث الليل و انتخة الأب المترهل و المذهول أمام مشهد لرجل يكرر : أريد حبلاً .. أريد حبلاً .. تتحدث لعروستها بينما يدخل عليها أباها بعنف البلكونة .. لاهياً و هو يلاعبها و ينظر لعروستها و أدوات المطبخ البلاستيك الصغيرة ، يتذكر جيشه و عساكره البلاسيتك ، اللعبة التي كان يلعبها و هو صغير .. لم يجد ما يقوله فسألها : أريد حبلا ! .. تنظر يمينها و تجد حبل الغسيل فتعطيه إياه ببراءة ، يأخذه و ينظر لها و للحبل و يلقي به بجانبها مرة أخري .. هذا في الطايق الثالث في ليل يوم سيأتي نهاره

السطوح الذي اغرقته طائرة الشمس و لا مكان للظل ، لكنه صغير أيضا و لا يشعر بالحر و تلك الأشياء التي نشتكي منها حين نكبر و ندمن الشكوي . حتي أني أنظر لقرص الشمس مباشراً و أعطس .. السلك الممدود بين أعلي عمارتين علقت به الطيارة الورق . عملتها من بقايا الجلاد الأزرق و الأحمر , .. لم تهرب مني طائرة أبدا من قبل . غير هذه .. حينما علقت في السلك حاولت أن أشدها . برفق . و لم تستجب . اجذبها و لاتستجيب . أجذبها حتي لو أنقطع السك الكهربا .. لن تستطيع قطع سلك الكهربا و سينقطع خيط الطيارة ..و تنطفيء الشمس و الطيارة لا تستجيب حتي أنقطع الخيط و رأيته يتدلي أمامي

يتأمل الطيارة بحسرة و ينزل السلم ببطء ، يدور برأسه ليري كل الأشياء حائرة من حوله . ينزل أبطأ و أذنه صارت مع الشارع المُهتاج بأصوات الناس اللذين تجمعوا في اللجان الشعبية ولكن صوتهم يعلو تحت المنزل ! .. رجل يقف أمام الباب .. يعانق أمي و تجهش بين يديه البكاء .. تبقي له فقط أربعة أشهر لأنهاء مدة حبسه لكنهم أجبروه علي الهروب ، قالوا له أن الذي لا يستغل الفترة دي بصراحة يبقي أهبل . عايزين نغب علي محلين دهب في شارع فرنسا .. هربان من سجن الفيوم عندما رأينا الثورة داخل السجن علي قناة الجزيرة فهجمنا علي العساكر و الظباط … هرب ،عدَّي علي البيت . قابل زوجته .. جلس ساعات قليلة حتي الليل ، لم يأكل حتي .. الفراولة بتسد النِفس وهو يتغذي علي الفراولة و لا يستطيع الحركة مترين من غيرها ، نام علي الكرسي… أحيانا ، أكثر من تحكي له عن نفسك و مشاكلك الحقيقية بصدق هو لغريب مثلك تعلم انك لن تقابله مرة اخري .. و لو قابلته في دائرة العودة الأبدية لن تتذكروا بعض .. قابلته في القطار و أنا في طريقي للأستدعاء لأقضي أسبوعين في نفس الوحدة التي كنت فيها قبل سنتين .. قررت أن أتقبل الوضع و لاح لي أن أكتب شيء عن التحولات التي طرأت علي المكان ، ظللت طوال السكة أفكر في ما قد أكتبه ، غفلت ، و ظللت أفكر في المكان .. ما زلت أمتلك الامل في مشروع فكري عن الهوس و العودة و التكرار ،لكنه لا يريد أن يكتمل .. ضجري ..و في هذه الموت الذي أنت فيه ، كيف تأمل أن يكتمل أي شيء ! … يبدو الموت أسرع من الطموح. تعالي أيها الموت .. أنت سهل لأنني لن اري شيء بعدك و صعب لنفس السبب .. و الألم الذي ستتركه لهم .. و العار و هذا البيض .. المُضجر في الأمر أن فترة الأستدعا ربما تمنعني من المشاركة في الأحتجاجات … لا أحد مثلك ينتحر في تلك الأيام المجيدة ، لكني أفكر كل يوم بالموت . خاصا عندما أصحو من النوم ..صرت مهووس بالموت . أفكر فيه كثيراً .. أحارب التكرار و الهوس لأجد نفسي مهووس بأمر مظلم هكذا .. بلاش الثورة و طموحك في الكتابة .. أما تراك ما زلت مشغولاً بظاهرة ” الكُل هنا و الكُل لآن ” التي تطاردها بكسل لا يصلح ؟ ، رصدتها من وقت طويل حين لحظات الكشف التي تصاحب الدماغ .. ولكن التمسك بها و صقلها يبدو و كأنه يحتاج لمران طويل و نفس أطول لا يتماشي مع وقوفي الميت بلا روح .. علي الأقل اتوقف عن قواتل الألم و المنشاطات ، و أبدأ في التمارين الجسدية التي تترك انطباعها علي حالة العقل الذهنية الصافية التي يحدث فيها الكشف .. نحن لا ندرك الوجود إلا حينما ننسي الوجود … السقوط مع الآخرين لا يحفظ لك أي أصالة ، مع النفس تشعر بأصالتك .. حتي هذا غيرحقيقي .. أفكر بما لا أفكر ، و أكتب في ما لا أفكر .. كفي أن تنشغل بما حولك حتي تستلب من ذاتك .. و لكن من ذاتك هذه ؟ .. ذاتك مع شين و لا ذاتك مع عين و لا ذاتك مع ذاتك .. حتي مع ذاتك أكثر من ذات .. السقوط مع الذات يشبه السقوط مع الآخر .. فلا أنا في جميع الأحوال .. هناك دائما منظور للذات كي تفسر الوجود .. وبين الذات و الوجود فاصل لا يندمل .. فاصل وهمي صنعه الوعي و اللغة، خصص أسطورة للذات الواعية الناطقة ، من خلال ذاتي فقط أستطيع الحكم علي العالم بطرائق العقل و اللغة ، أي العالم كما أراه أنا هو الحقيقة ، فأنا سيد الوجود الذي لا أعلم عنه شيئاً ، لا أعلم أن الوجود ما هو إلا أنا .. حين نطق .. حين نطق الوجود

أعني ، يبدو الوجود و كأنه ظل صامتاً لا يعي و يتحول ببطء حتي أنطقه أرتقاء الوعي .. أن تتصور حينها أن هناك عالم بأكمله لا يعلم و لا يهتم بقوانين و عقلنة ذهنك ، ذاتي و الوجود .. حتي ما أفعله الآن حين أكتب باعتباري ذاتاً و أنت هذا العالم و الموضوع و الوجود الذي أحاول أن أصل هذا الفاصل بيني و بينه .. أنك لا تدرك الوجود إلا حينما تنسي الوجود .. تعاليت حتي جسدت نفسك في صورة الذات الذائبة اللانهائية للوجود .. الله .. منذ ذاك الوقت و أنت تتعالي للأسفل .. في أقل الدعاوي هو الموجود في كل الوجود و إن كان لا يدرك ذاته .. في أقل الدعاوي الصوفية ; لا تنسب النصر لنفسك و أنسبها لذات لا تدرك ذاتها و هي لُب الوجود .. في أقل الدعاوي تواضعاً هو ; التحول … محاربتك له كمن يحارب السكر .. حلاوة الأنسان الضائع في عصر الليل الذليل ، العارف و الغير معترف .. لكنني متفائم و أري المستقبل كبقرة ملونة تتحدث كل اللغات و أفكر بما لا أفكر و أكتب كما لا أفكر ..

المهم أني هبطت المكان .. خلال ساعة جاء النبأ بأن الأستدعاء قد تم ألغاءه ، ومن ثم سأنسي ما كنت أنتويه من مراقبة ورصد التحول في المكان الذي غبت عنه سنوات و رجعت إليه فجأة بلا ميعاد …. مكثت ما لا يزيد عن ساعة في المكان مع الزملاء المستدعون مثلي ، ظللوا يثرثرون و يثرثرون عن و عن و أنا أراقبهم و أبتسامة بلهاء علي وجهي ، ركبت عائداً و غفوت مفكراً في التحول مرة أخري .. تكلم نيتشه عن أن عناصر محدودة في زمن أبدي سيؤدي و لا مفر إلي تكرار الظواهر … و لكن لا شيء يتكرر بحذافيره .. فقط يشبهه ، حتي الشمس التي تشرق كل يوم ليست هي شمس البارحة ليست هي شمس الغد . فالتحول أزلي و لا شيء يتكرر إلا هوسك بالنظام و التكرار ، في ذهنك المنظم الرتيب .. و الوجود بادياً لا يسكنه إلا الفوضي ، لا يدرك فوضي درب التبانة إلا من حوي بداخله درب التبانة … و سأنسي كل هذا أو أتناساه و أستخدمه .. سأهبط خفيفاً .. كنت فرحاً بنفسي ، و لا أفكر في شيء .. تتلاعب الرياح القادمة من البحر عبر البنايات بالكرافتة التي لا أعلم لماذا أرتديتها .. تلقي بها الرياح خلف ظهري . ما زال لحن يتردد داخلي و أنيسة تغني : أنا مش حكمل يوم في عمري إلا بييك .. طبيبة شابة ، زميلة في المشفي تراقبني منذ أيام .. كنت اجلس في العنبر مع أكثر المرضي أكتئاباً .. هيبرت دماغه فترة قصيرة قبل أن ينقلب إلي هيبو مانيا صريحة و ينسحب من الحياة و يظل هائماً علي وجهه في الشوارع لأيام حتي وجده أهله و ألحقوه بالمستشفي حيث أعمل .. بدأت معه منذ مجييء هنا و بدأ يتداعي معي في الحكي . بدا و كأنه أدرك عقده التي أكتسبها في حياته و بدأت في الأنحلال عبر الحديث الطويل .. جلست معه لساعات مرة ، في ليلة نبتشية طويلة .. أخبرني عن الشخوص العديدة التي تتكلم بداخله ، ظن انه ملبوس .. لضمت معه كثيراً من هؤلاء المفصومين منه.. اليوم أول مرة يخرج من كآبته النهارية المُعتادة و يهلوس للممرضات من حوله ضاحكاً .. رمقني من بعيد و رأيته مشرقاً بأبتسامة صافية .. نصراً لم يلاحظه أحد سوي الطبيبة التي تراقبني .. رأيتها تعبث في تليفونها قليلاً ثم شغلت أغنية ..

في الطريق خلعت الكرافتة و كورتها في جيبي ، مشيت منتشياً بالرياح .. حتي رأيتني .. أرتبكت قليلاً و تذكرتني بصعوبة .. كنت جالساً كبائع مخدرات .. علي رصيف مرتدياً تي شيرت بني اللون و مرسوم عليه أفلاطون و كتابات غريبة لم أفهمها .. أدخن سيجارة بنهم


وقفت ببطء و …. – لكي تشتري نفسك يجب أن تشتري العالم

- و هذا الذي باع العالم لابد و انه باع نفسه أولاً

- الجنون ؟

- يبدو وحده لا يكفي …

- كنت أظن أنك ميت من زمن طويل

- أنا أيضا لم أميزك بسرعة .. تحولت كثيراً

ركب معي و راح يتكلم عما صار و متي صار و أنا لا أتذكر أو اتذكر ما يقول كخيالات لم تحدث .. لم أكن معه و لكنه أصرَّ علي أنني صديقه .. ألتقت عينانا فصمت عن الكلام .. الرجل الذي باع العالم .. لماذا تظهر من جديد الآن ؟ ، كُنت أظن إنني ميت من زمن طويل